نضالات من اجل الاعتراف بالمقارنة مع نضالات من اجل المساواة

النضال السياسي الاجتماعي ورقة لمؤتمر الخليل الثاني

هناء عموري ترابط-هتحبروت

 

ترجمة للعربية: رجاء ناطور

 

منذ قيامها، اجبرت دولة اسرائيل الاقلية الفلسطينية الاصلانية على النضال ضدها. غيرت النكبة التاريخية وإسقاطاتها المستمرة من مكانة الفلسطينيين وخلفتهم في مكانة متدنية نسبة لليهود في كل مناح الحياة. حاولت الدولة اليهودية وما زالت مستمرة بمحاولاتها محو هويتهم القومية وعلاقتهم الطبيعية مع ابناء شعبهم في الارض المحتلة، المخيمات وفي انحاء العالم. تبذل دولة إسرائيل عبر مؤسساتها المختلفة وعلى رأسها جهاز التعليم جهودا جبارة لتشويه تاريخهم وتحويلهم الى "ابناء اقليات" بدون تاريخ, بدون هوية جماعية وبدون ثقافة  مشتركة هادفة الى تفتيتهم من جماعة صاحبة قضية الى افراد ضعفاء يقفون امام منظوماتها الجبارة. 

كذلك يعاني الفلسطينيين المواطنين في اسرائيل من سياسات كولونيالية يومية، مثل تجريدهم بشكل دائم من الموارد الحياتية الاساسية كالارض والماء، مثل العنصرية الممؤسسة التي تمارس ضدهم، ومثل حرمانهم من التطور الاجتماعي- الاقتصادي مما يؤدي الى تدني مكانتهم الاجتماعية الاقتصادية كافراد وكجماعة. كدليل على ذلك، بامكاننا وجود الفلسطينيين على مدنهم وقراهم في صدارة الاحصائيات ومؤشرات الفقر، والبطالة، والعنف، والمرض، او في اسفل سلم مؤشر التعليم والدخل.

لمناهضة السياسة الكولونيالية على الجبهتين، اضطر الفلسطينيون قيادة نضالين مختلفين في آن واحد احيانا يبدو ان هذان نضالين متناقضين واحيانا يبدوان مرتبطين ببعض: نضال "الصمود" والمطلب العادل بالاعتراف بالهوية والمطالب القومية والوقوف بمواجهة السياسة الكولونيالية والثاني النضال الطبيعي من اجل المساواة المدنية السياسية والاقتصادية. تحاول الدولة ارغام الفلسطينيين على الاختيار من بين مركبات  الكولونيالية الصهيونية. المركب الاول  تدمير المجتمع الفلسطيني وهويته، او الثاني وهو السلب المستمر للموارد الاساسية وامكانيات التقدم (ما نسميه الاستعمار اليومي المستمر).

هل تتعارض هذه النضالات  بينها؟ جوابي هو ليس بالضرورة مع ان السلطات الاسرائيلية تحاول جاهدة اثبات تناقضهما. من جهة، يصعب ايجاد تصريحات لقياديين اسرائيليين ضد الحق بالمساواة، بل على العكس هناك نوع من الاعتراف الجماهيري العام ان هناك عدم مساواة وان على الدولة ان تستثمر في البنى التحتية للقرى والمدن العربية من اجل تطويرها. ربما ستقولون ان الهدف من  وراء هذه التصريحات (البعيدة كل البعد عن التنفيذ) هو محاولة لتجميل صورة دولة اسرائيل امام الرأي العام العالمي ولكن هذا ليس موضوع حديثنا اطلاقا. من جهة اخرى، نجد العديد من التصريحات السياسية لقياديين اسرائيليين يقومون بها بادانة النضالات والنشاطات السياسية  الت تحمل شعار الاعتراف بالحقوق القومية  وتصحيح غبن الماضي الواقع على الفلسطينين داخل دولة اسرائيل.

الرسالة التي ترسلها الدولة لنا هي كالتالي, انها على استعداد ان تمنحنا حقوقا اجتماعية- اقتصادية بشرط ان ننسى المطالب القومية السياسية. لقد باتت هذه المعادلة رأيا سائدا ومقبولا في المجتمع الاسرائيلي بحيث نسمع مقولات مثل: لماذا يرفع البدو العلم الفلسطيني؟ انهم يناضلون من اجل المساواة داخل دولة اسرائيل". للأسف الشديد بامكاننا ان نجد داخل المجتمع الفلسطيني نفسه البعض من تبني هذا الخطاب، بحيث ليس من المستبعد ان نسمع تصريحات مماثلة تصدر عن فللسطينين\ات، حتى الناشطين/ات منهم.

اذا اخذنا يافا كمثال، بامكاننا الاشارة الى مصدرين اساسيين لأزمة السكان العرب فيها. احدهما هو النكبة التاريخية وقانون املاك الغائبين وثانيهم هو الفقر، ببساطة الفقر. ومن هنا فان النضال على المسكن في يافا تنقل خلال سنواته الطويلة  بين الخطاب السياسي الذي شدد البقاء والصمود كقول توفيق زياد في قصيدته "انا هنا باقون": "كأننا عشرون مستحيل في اللد, والرملة, والجليل. هنا على صدوركم, باقون كالجدار"، وبين خطاب الحقوق المدنية العام تحت شعار "لنا الحق في المأوى". ضمن اطار اللجنة الشعبية  لحماية الحق بالمسكن والارض التي انشط بها تناقشنا طويلا حول هذه القضية وحول أي الرسائل السياسية هي الاهم؟ هل نتمحور بقضايا مئات العائلات الفلسطينية والتي سلبت بيوتها وممتلكاتها في النكبة وجمعت في حي العجمي تحت منصب "سكان محميين"؟ وهو تعريف قانوني ينمحهم جزءا من ملكية بيوتهم تحاول الدولة اليوم سلبهم منه وتهجيرهم عن يافا. ام علينا ان نتمحور  بقضية  الحق بالمسكن بشكل عام الحاجة الى سكن عام حكومي يؤمن المأوى لمن تنطلي عليه شروط وزارة الاسكان، أي انه فقير بما يكفي لتمنحه الدولة سقفا وهناك المئات من العائلات الفلسطينية في هذه الحالة ايضا.

لا شك ان هناك علاقة بين القمع القومي وبين تحويلنا الى فقراء ويجب الا نتجاهل ذلك! ولكن النضال في هاتين الحالتين يبدو مختلفا! المطالب مختلفة! اصبع الاتهام توجه في كل مرة الى عوامل اخرى، العمل والنشاط على ارض الواقع يختلف. إن النضال من اجل الحق بالمسكن انطلاقا من وعيك ان الدولة سلبت ارضك وارض اجدادك في نكبة ال-48يختلف جوهريا عن النضال المنطلق من وعيك ان الدولة تسحق الضعفاء والفقراء.

 

 

الاحتجاح الاجتماعي 2011

 

عند بدء الاحتجاج الاجتماعي سنة 2011سلطت وسائل الاعلام الضوء على مخيمات الاحتجاج التي اقامها ابناء الطبقة الوسطى وقامت باطلاق التسمية "حركة الاحتجاج الاجتماعي" عليهم. وايضا مؤسسات الدولة، حين قامت بالتعامل مع حركة الاحتجاج رأت صوب اعينها هذه المخيمات. وكذلك السياسيون والاحزاب المختلفة التي تبنت الاحتجاج وحاولت التقرب من المحتجين لم ترى غير هذا الجانب من الاحتجاجات.

بالمقابل ظهرت في اماكن اخرى مخيمات احتجاجية مختلفة اقامها ابناء الطبقات المسحوقة، سكان الاحياء الفقيرة والضواحي المهمشة، الذين لم يحظ حضورهم باي تغطية اعلامية، او اهتمام من قبل سياسيين او شخصيات بارزة اخرى. عندما حاول ناشطو هذه الخيم الانضمام لخيم الاحتجاج المركزية احسوا بعدم الانتماء، وذلك لان محتجو الخيم المركزية رفضوا خطابهم وأسلوبهم وهويتهم. قالوا لهم انهم "غير ملائمون" للتحدث مع وسائل الاعلام. هذا ما حدث لسكان حي "التكفا" حين حاولوا الانضمام الى خيمة الاحتجاج المركزية في شارع روتشيلد في مدينة تل ابيب، وهذا ماحدث ايضا لمستحقي السكن العام  في القدس والذين اضطروا بدورهم الاستقلال بنضالهم واقامة "مخيم من لا خيار لهم".

احد الفروق المركزية بين نوعي الاحتجاجات كان مطالب كل من الاطراف. في مخيمات الطبقة الفقيرة طالب المحتجون بمساكن عامة مساكن تبنيها او تشتريها الدولة وتمنحها للمستحقين الغير قادرين على الحصول على سكن باسعار السوق الحرة. وضعهم الاقتصادي-الاجتماعي الذي جعلهم من مستحقي السكن العام،  جرّدهم كليا من القدرة على المشاركة بلعبة الطلب والعرض في السوق الحرة. لذا كان عليهم المطالبة بحل اسكاني خارج عن السوق الرأسمالي وقوانينه. بالمقارنة لم يذكر المحتجون من ابناء الطبقات الوسطى اي مطالب تشذ عن قوانين لعبة السوق.لقد طالبوا الحكومة بمراقبة اسعار السوق، بالمبادرة لسكن "بمتناول اليد" للازواج الشابة، باجبار المقاولين على دمج شقق باسعار منخفضة، بمراقبة حكومية او بلدية لاسعار الايجارات، بمنح امتياز ضريبي لابناء الطبقات الوسطى والخ... كلها مطالب عادلة طبعا، تهدف الى تسهيل اندماج ابناء الطبقة  الوسطى الشباب بالمجتمع العام.

اما نحن في حركة ترابط فقد كنا شركاء بانشاء ما يسمى"بكتلة المهمشين"، وهي محاولة لتوحيد كل خيم متضرري السكن العام، تلك الخيم التي لم تحظ بالاهتمام او الدعم  الكافيين. هذه المخيمات التي يقطنها من ليس لديهم بديل للخيمة التي نصبوها بمركز المدينة، او حتى لو كان لديهم بديل فلن يكون احسن بكثير من العيش في خيمة. حاولنا ربط هؤلاء الناس الواحد بالآخر، خلق تحالف بين المضطهدين ليعزز قدراتهم على النضال وايصال صوتهم. كاستراتيجية نضالية ساهمنا بدورنا باقامة نشاطات مشتركة بين اليهود الشرقيين والعرب، محاولة لحفر الشقوق في الايديولوجية الصهيونية المهيمنة، وكسر التفرقة القومية، حتى ولو على مستوى الوعي فقط. بنظرنا الضائقات المشتركة والعنصرية الممنهجة ضدهم،  قد تتيح المجال لليهود الشرقيين الفقراء ان يتضامنوا مع العرب اكثر من تضامنهم مع الدولة. هذه الاستراتيجية صعبة للغاية لانها وتتناقض مع الوضع الحالي والذي به تتنافس المجموعات المقموعة بعضها ببعض بدلا من الاتحاد ضد قامعيهم.

ليس من الهين خلق هذا التحالف، اذا تحدثنا عن اليهود الشرقيين مثلا نرى ان الدولة قد زرعت في ادراكهم ان اقصر الطرق لتحسين ظروف حياتهم هي التضامن، الانصياع للدولة والاندماج فيها. اكثر المقولات انتشارا عن اليهود الشرقيين من الذين تمارس الدولة عليهم القمع والعنصرية والتي تعكس ايضا  تذويت هذه الرسالة: "لقد قمنا بالخدمة بالجيش، احيينا البرية، اعطينا الدولة كل شيء، لم لا نحصل على شيء بالمقابل". ما تعكسه هذه الجملة ببساطة هو اننا كيهود شرقيين حاولنا الاندماج في الرواية التاريخية الصهيونية ولكننا لم نتحول ل"ملح الارض" بما معناه اصحاب البيت!

هنا يكمن الاصطدام المحتمل بينهم وبين الفلسطينين. الفلسطينين من جهتهم على استعداد للانضمام الى نضالات تطالب بالمساواة وتتصدى للعنصرية التي تمارس ضد مجموعات اخرى مقموعة. لكن التغيير في الوعي الذي يحفزهم على الاشتراك في هذه النضالات يدفعهم ايضا ان يشمخوا بقاماتهم، وان يرفعوا العلم الفلسطيني وان ينضموا للنضال مدركين ان هناك علاقة وطيدة بين مكانتهم كطبقة فقيرة وبين الصراع القومي. لا يتقبل اليهود الشرقيين المقموعين  بسهولة هذا التغيير في الوعي لدى الفلسطيني. احد الامثلة الجيدة التي يمكنني ان اسوقها لكم هي ما خصل في مخيم الاحتجاج في يافا في سنة 2011، حينها قال لي احد الناشطين اليهود الشرقيين "بكتلة المهمشين": " يجب علينا ان نخبر الفلسطينيين ان رفع العلم الفلسطيني يضر بالاحتجاج. لا داعي لذكر النكبة الان في حين ان كل الدولة تتحدث عن السكن، هذا يضعف قضيتكم". كتنت هناك حاجة ماسة لدى الكثير من الناشطين اليهود الشرقيين للتأكد دائما انهم لا يناضلون تحت شعارات تتناقض مع "يهودية الدولة" او شعارات تطالب بدولة فلسطينية. استطيع ان اقول لكم بشكل صريح اني طولبت في اكثر من مناسبة ان اترجم اللافتات التي رفعناها للغة العبرية وذلك في اثناء مسيرة مشتركة، كما وطلبت احدى الناشطات ان نكتب بالعبرية خلف كل لافتة ترجمتها الحرفية فقط لنهدىء من روع اليهود الخائفين. هذا الخوف ما هو الا نتاج سياسة  قامت لسنوات طويلة بمحو ثقافة اليهود الشرقيين وابعدتهم عن كل يوصلهم باصلهم العربي، بما في ذلك اللغة العربية. من الجدير بالذكر ان هذا الخوف كان حاضرا عند الفلسطينيين ايضا، ففي كل لحظة كانوا يتوقعون ان يرفع الناشطون اليهود الشرقيون العلم الاسرائيلي حينها سيجدون انفسهم يندرجون تحت احد اهم رموز الدولة التي تقمعهم. في نضال واحد، فلسطينيون ويهود خائفون من بعضهم البعض رغم كونهم يتصدون لعدو مشترك، لنظام واحد، لذات السياسات الاجتماعية-اقتصادية التي تقمعهم جميعا! اتسائل بيني وبين نفسي لو كان لليهود الشرقيين علم يخصّهم, لو لم تمح الدولة ثقافاتهم، هل من المعقل ان يرفعوا العلم الاسرائيلي؟

 

النضال من اجل السكن العام

 

اختارت ترابط التمحور بالسكن العام منذ بداية 2011، أي قبل بداية الاحتجاج الجماهيري الواسع النطاق (والذي حدث في صيف 2011). حينها، لم يكن مصطلح "السكن العام" متداولا في وسائل الاعلام. قمنا بذلك عن قصد وليس بشكل عشوائي لسببين: الاول هو ان هذا النضال هو نضال افقر الطبقات في اسرائيل, والثاني ان السكن العام في المدن النمختلطة هو قضية بقاء للسطان الفلسطينيين. لكن لهذا النضال ايضا معنى اوسع بكثير، اذ ان المطالبة بمساكن عامة داخل اسرائيل هو ايضا تصد لاستعمال الدولة للطبقة الفقيرة كأداة لتوسيع الاستيطان في الضفة الغربية. جراء استمرار عملية تدمير الاسكان العام، تم زج الفقراء في المستوطنات الكبيره مثل "معالي ادوميم", مودعين عيليت, بيطار عليت ومستوطنات اخرى اذ هناك تؤمن لهم الدولة الحق في المسكن وحقوق اخرى. مع تقليص الميزانيات المخصصة للسكن العام زادت حدّة ضائقة السكن عند الفئات المهمشة، في حين عرضت الدولة دعما ماليا كبيرا لكل من يوافق على السكن في المستوطنات. بذلك حققت الدولة مصالحها واهدافها الكولونيالية عن طريق استعمال ازمة السكن بالذات لدى الشريحة الاجتماعية الفقيرة. بالاضافة الى ما ذكر اعلاه، فان النضال من اجل السكن العام يخدم بشكل غير مباشر الطبقة الوسطى والتي نضع احتياجاتها ايضا نظر اعيننا. برأينا توسيع قاعدة السكن العام ستؤدي الى ازدياد ملحوظ بمخزون الشقق الرخيصة التي سيخليها مستحقي السكن العام لتعرض باسعار ارخص لأبناء الطبقة الوسطى.

اختيارنا السكن العام نبع ايضا من رغبتنا ايقاف عملية الجنتريفيكيشن والتي تعرف عالميا كعملية ذات مميزات طبقية  فيها يتم استبدال سكان المكان المحليين بسكان اكثر غنى. ما يميز هذه الظاهرة في اسرائيل هو كونها كولونيالية في جوهرها وهدفها  تطهير الحيز من الفلسطينيين واليهود الشرقيين، لخلق حيز استيطاني ابيض خال منهم. هناك طبعا قلة من الفلسطينيين الاثرياء وقلة اكبر من اليهود الشرقيين الاثرياء الذين يستطيعون الاندماج في الحيز الابيض. لكنها فعلا اقلية قليلة تبرز بحضورها غياب الاغلبية.

النضال على السكن العام يندرج كليا في استراتيجيتنا لخلق تحالفات والربط بين المضطهدين وفي هذه الحالة بالاخص بين المقموعات. حاولنا هنا ان نربط بين النساء المقموعات اللاتي  يناضلن يوميا من اجل لقمة العيش وحياة كريمة في مجتمع طبقي، راسمالي، عنصري وشوفيني هدفه ان يستديم فقرهن وعوزهن ومكانتهن المتدنية. نضالهن صعب جدا، اذ يواجهن شركات الاسكان الحكومية، وزارات الاسكان والمالية وبالاخص يقفن امام تجاهل الرأي العام الذي يستغيب الفقراء كليا، وفي الحالات النادرة التي يستحضرهم فيها يعرضهم كمساكين بحاجة الى المعونة وليس كضحايا سياسات اجتماعية واقتصادية ممنهجة.

الرأي العام في اسرائيل اصبح اليوم يفرّق ما بين السياسي والاجتماعي. نرى انه حتى في وسط الناشطين هناك تبني نوعي لهذه التعريفات فالبعض يعرفون انفسهم "بناشطين اجتماعيين" وآخرون يعرفون انفسهم "بناشطين سياسيين". نحن على قناعة ان هذا التمايز يخدم اولا واخرا النظام القائم. فصل الاول عن الثاني يضعنا امام  نشاط سياسي فارغ من المضمون الاجتماعي، وبدون قدرة على  ترجمة الاهداف السياسية  لمصالح اجتماعية وعلى التعبئة الجماهيرية  او امام مجتمع بدون سياسة، بدون طبقات حاكمة وبدون نضال منظم ضد القوى المهيمنة.

 

"قوة للعمّال"

 

سأنهي بمثال اخر للاحتمال الذي يطويه النضال الطبقي الاجتماعي لشق شقوق في الهيمنة الصهيونية.

نقابة العمال السائدة في اسرائيل هي الهستدروت وهي نقابة قوية ولكنها وعلى مدار سنوات نشاطها تستعمل نضالات العمال لما يصب بفائدة الحؤكة الصهيونية. الهستدروت لم اكن ابدا منظمة عمال عادية، هدفها الاساسي كان تجنيد العمال لخدمة المشروع الصهيوني. لهذا الهدف اقيمت مصانع كبيرة هدفها الاولي بناء اقتصاد يهودي بمعزل عن الاقتصاد الفلسطيني. تلك المصانع تحولت لاحقا لمقر سيطرة للنخبة الحاكمة.  هكذا انشأت المنظمة التي تستصعب حماية حقوق العمال المنظمين بها، ناهيك عنحقوق العمال الغير منظمين وهم الغالبية. بما ان الدولة اليهودية بحسب المنظومة الصهيونية هي فوق الجميع فان تعامل الهستدروت مع مسائل العمال كان دائما اسرضائي بحيث جرّدت النضال العمالي المنظم من القوة الكامنة به. اضافة لذلك، الهستدروت ليست منظمة ديموقراطية وتسيطر عليها الاحزاب الصهيونية، بعيدا عن العمال انفسهم.

منذ اقامتها قرنت حركة ترابط مشاركتها بالنضال الطبقي بمنظمة "قوة للعمال" والتي اقيمت كبديل للهستدروت في العام 2007كمنظمة عمالية ديمقراطية شاملة حديثة تضم عاملين من شتّى المجالات والخلفيات القومية والاثنية. في اطار هذه المنظمة شهدنا روابط جريئة بين مضطهدين من فئات مختلفة كنضال الحاضنات والذي قادته نساء فلسطينيات ويهوديات فقيرات، واللواتي يعتنين باطفال فقراء، في ظروف عمل استغلالية من قبل الدولة وحرمانهن من حقوقهن الاساسية كموظفات.

في اطار "قوة للعمال" تنشط حركات وتيارات سياسية مختلفة، منها الصهيومينة ايضا. ولكن المنظمة نفسها لا تعرّف نفسها كمنظمة صهيونية وهذا بحد ذاته يعتبر ثوريا في تاريخ المنظمات العمالية في اسرائيل. لا يشاركنا الحركات والافراد في منظمة "قوة للعمال" بكل مواقفنا السياسية ولذلك نرى ان عملنا باطار المنظمة يرتكز ايضا على جبهتين نضاليتين: على المستوى الخارجي نعمل على توسيع وتعزيز المنظمة، ونساهم بنضالات العمال لتحسين ظروفهم المعيشية بوجه السياسة النيو-ليبرالية وبوجه رؤوس الاموال. اما على المستوى الداخلي نعمل على دمج نشطائنا والعمال الفلسطينيين في مرلكز القوة في المنظمة. بالرغم من ان المنظمة لا تعرف نفسها كصهيونية، ما زال امامنا الكثير من العمل للتغلب على ميول الناشطين اليهود بها وميول المجتمع الاسرائيلي ككل نحو التصرف كمنظمة تخدم الصهيونية.

تنبع من نشاطنا في هذه الساحة تحديات هامة. اهم الاسئلة التي نواجهها هي ما هو دور "قوة للعمال" ودورنا مترابط في هذا الاطار بالنسبة لتنظيم العمال في المناطق المحتلة. وهذه مشكلة عويصة. على ناشطي ترابط في هذ الاطار ان يقوموا باستشارة منظمات العمال الفلسطينية في الضفة الغربية لنجد السبل لدعم نضالات عمالية في ظروف الاحتلال دون ان نقوم بتطبيعه، بل لتساهم هذه النضالات في التحرر القرمي.

 

 

للتلخيص، نحن في ترابط نختار دائما انا ننخرط في نضالات اكثر الطبقات تهميشا، ان ننضم لنضالات اكثر الناس اضطهادا، وذلك ايمانا منا بان بالربط بين هذه الفئات تكمن البشارة ومن هناك قد نستطيع احداث التغيير السياسي والاجتماعي الذي نرجوه: اي ان ننتقل من مجتمع كولونيالي الى مجتمع ديموقراطي تسوده المساواة، وان نحطم النظام القائم اليوم ونصب الاساسات لتصليح المجتمع. من خلال تجربتنا وجدنا انه من خلال نضالهم من اجل حقوقهم ومن خلال تعرفهم لآخرين مهمشين، يحدث لدى الافراد المناضلين تغيير جذري في الوعي يحررهم وعزز طاقاتهم. هذا التغيير يحوّلهم الى محاربين ومحاربات ضد الظلم والاضطهاد ومن اجل تحصيل العدل لهم وللاخرين.